كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقوله تعالى: {ففسق عن أمر ربه}.
وقوله تعالى: {وأما الذين فسقوا فمأواهم النار} الآية إلى غير ذلك. اهـ. وقال ابن الخازن في تفسيره: وقيل هو عام نزلت لبيان التثبيت وترك الاعتماد على قول الفاسق وهذا أولى من حكم الآية على رجل بعينه.
تنبيه: قوله تعالى: {أن تصيبوا} مفعول له كقوله تعالى: {أن تحبط}.
قال الرازي: معناه على مذهب الكوفيين لئلا تصيبوا وعلى مذهب البصريين كراهة أن تصيبوا وقرأ حمزة والكسائي: بعد التاء المثناة بثاء مثلثة وبعد الباء الموحدة بتاء مثناة فوق من التثبت أي: فتوقفوا إلى أن يتبين لكم الحال. والباقون بعد التاء المثناة بباء موحدة وبعدها ياء تحتية وبعدها نون من البيان.
{واعلموا} أي: أيتها الأمة {أن فيكم} أي: على وجه الاختصاص بكم ويا له من شرف {رسول الله} أي: الملك الأعظم المتصف بالجلال والإكرام فلا تقولوا الباطل فإنّ الله يخبره بالحال {لو يطيعكم} وهو لا يحب عنتكم ولا شيئًا يشق عليكم {في كثير من الأمر} أي: الذي تريدونه على فعله من أنه يعمل في الحوادث على مقتضى ما يعنّ لكم، وتستصوبونه ليكون فعله معكم فعل المطواع لغيره التابع له فينقلب حينئذ الحال ويصير المتبوع تابعًا، والمطاع طائعًا، {لعنتم} أي: لأثمتم دونه وهلكتم. لأنّ من أراد أن يكون أمر الرسول صلى الله عليه وسلم تابعًا لأمره فقد زين له الشيطان الكفران وقوله تعالى: {ولكن الله} أي: الملك الأعظم الذي يفعل ما يريد {حبب إليكم الإيمان وزينه} أي: حسنه {في قلوبكم} فلزمتم طاعته وعشقتم متابعته استدراك من جهة المعنى لا من جهة اللفظ لبيان عذرهم، وهو أنه من فرط حبهم للإيمان وكرهتهم للكفر كما قال تعالى: {وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان} حملهم على ذلك ما سمعوا قول الوليد أو بصفة من لم يفعل ذلك منهم إخمادًا لفعلهم وتعريضًا بذم من فعل. قال الرازي: هذه الأمور الثلاثة في مقابلة الإيمان الكامل المزين وهو التصديق بالجنان والإقرار باللسان والعمل بالأركان فقوله تعالى: {كرّه إليكم الكفر} وهو التكذيب وهو في مقابلة التصديق بالجنان وأمّا الفسوق فقيل هو الكذب كما قاله ابن عباس قال تعالى: {إن جاءكم فاسق بنبأ} فسمى الكاذب فاسقًا وقال البيضاوي: الكفر تغطية نعم الله بالجحود والفسوق الخروج عن القصد والعصيان الامتناع عن الانقياد. وقال بعضهم: الكفر ظاهر والفسوق هو الكبيرة والعصيان هو الصغيرة {أولئك} أي: الذين أعلى الله تعالى مقاديرهم {هم الراشدون} أي: الكاملون في الرشد الثابتون الاستقامة وعلى دينهم وفي تفسير الأصفهاني الرشد هو الاستقامة على طريق الحق مع تصلب فيه.
وقوله تعالى: {فضلًا} مصدر منصوب بفعله المقدّر أي فضل وقيل: تعليل لكرّه أو حبب، وما بينهما اعتراض فهو امتنان عظيم ودرجة عالية {من الله} أي: الملك الأعظم الذي بيده كل شيء {ونعمة} أي: وعيشًا حسنًا ناعمًا وكرامة {والله} أي: المحيط بصفات الكمال {عليم} أي: محيط العلم يعلم أحوال المؤمنين وما بينهم من التفاضل.
{حكيم} أي: بالغ الحكمة، فهو يضع الأشياء في أوفق محالها وأتقنها فكذلك وضع نعمته من الرسالة والإيمان على حسب علمه وحكمته ونزل في قضية.
{وإن طائفتان من المؤمنين} الآية وهي أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم ركب حمارًا ومرّ علي ابن أبيّ فبال الحمار فسدّ ابن أبيّ أنفه فقال ابن رواحة لبول حماره: أطيب ريحًا من مسكك فكان بين قومهما ضرب بالأيدي والنعال والسعف. وعن أنس قال: قيل للنبيّ صلى الله عليه وسلم لو أتيت عبد الله بن أبيّ فانطلق إليه النبيّ صلى الله عليه وسلم وركب حمارًا وانطلق المسلمون يمشون معه وهو بأرض سبخة فلما أتاه النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: إليك عني فوالله لقد أذاني نتن حمارك فقال رجل من الأنصار منهم: والله لحمار رسول الله صلى الله عليه وسلم أطيب ريحًا منك فغضب لعبد الله رجل من قومه فتشاتما فغضب لكل واحد منهما أصحابه فكان بينهما ضرب بالجريد والأيدي والنعال فبلغنا أنها نزلت فيهم.
ويروى أنهما لما نزلت قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاصطلحوا وكف بعضهم عن بعض. وعن قتادة: نزلت في رجلين من الأنصار كان بينهما مدارأة في حق فقال أحدهما للآخر: لآخذنّ حقي منك عنوة لكثرة عشيرته، وإنّ الآخر دعاه ليحاكمه إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فأبى أن يتبعه فلم يزل الأمر بينهما حتى تدافعوا وتناول بعضهم بعضًا بالأيدي والنعال ولم يكن قتال بالسيوف.
وعن سفيان عن السدي قال: كانت امرأة من الأنصار يقال لها أمّ زيد تحت رجل وكان بينهما وبين زوجها شيء فرقى بها إلى علية وحبسها فبلغ ذلك قومها فجاؤوا وجاء قومه واقتتلوا بالأيدي والنعال فنزلت.
وجمع تعالى قوله سبحانه: {اقتتلوا} نظرًا للمعنى لأنّ كل طائفة جماعة وثنى الضمير في قوله تعالى: {فأصلحوا} أي: أوقعوا الإصلاح ليحصل الصلح {بينهما} نظرًا للفظ أي: أصلحوا بينهما بالنصح والدعاء إلى حكم الله تعالى {فإن بغت} أي: أوقعت الإرادات السيئة الكائنة من النفوس التي لا تأمر بخير {إحداهما} أي: الطائفتين {على الأخرى} فلم ترجع إلى حكم الله الذي خرجت عنه ولم تقبل الحق {فقاتلوا} أي: اطلبوا وأوجدوا مقاتلة {التي تبغي} أي توقع الإرادة السيئة وتصرّ عليها وأديموا القتال لها {حتى تفيء} أي: ترجع عما صارت إليه من حرّ القطيعة الذي كأنه حرّ الشمس حتى نسخه الظل إلى ما كانت فيه من البرد والخير الذي هو كالظل الذي نسخته الشمس.
وهو معنى قوله تعالى: {إلى أمر الله} أي: التزام ما أمر به الملك الذي لا يهمل الظالم بل لا بدّ من أن يقاصصه. وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو بتسهيل الهمزة الثانية كالياء والباقون بتحقيقهما {فإن فاءت} أي: رجعت إلى ما كانت عليه من التمسك بأمر الله الذي هو العدل {فأصلحوا} أي: أوقعوا الإصلاح {بينهما بالعدل} أي: بالإنصاف ولا يحملنكم القتال على الحقد على المقاتلين فتحيفوا {وأقسطوا} أي: وأزيلوا القسط بالفتح وهو الجور، بأن تفعلوا القسط بالكسر وهو العدل الذي لا جور فيه في ذلك، وفي جميع أموركم ثم علله ترغيبًا فيه بقوله تعالى مؤكدًا تنبيهًا على أنه من أعظم ما يتمادح به وردًا على من لعله يقول أنه لا يلزم نفسه الوقوف عنده الأضعف {إن الله} أي: الذي بيده النصر والخذلان {يحب المقسطين} أي: يفعل مع أهل العدل من الإكرام فعل المحب.
{إنما المؤمنون} أي: كلهم وإن تباعدت أنسابهم وبلادهم {إخوة} أي: في الدين لانتسابهم إلى أصل واحد هو الإيمان ولما كانت الأخوة داعية ولا بدّ إلى الإصلاح تسبب عنها قوله تعالى: {فأصلحوابين أخويكم} كما تصلحون بين أخويكم من النسب ووضع الظاهر موضع الضمير مضافًا إلى المأمور مبالغة في التقرير والتحضيض وخص الاثنين بالذكر لأنهما أقل من يقع بينهما الشقاق. وعن أبي عثمان الحيري: أنّ أخوة الدين أثبت من أخوة النسب فإنّ أخوة النسب تنقطع بمخالفة الدين وأخوة الدين لا تنقطع بمخالفة النسب {واتقوا الله} أي: الملك الأعظم في مخالفة حكمه والإهمال فيه {لعلكم ترحمون} أي: لتكونوا إذا فعلتم ذلك على رجاء عند أنفسكم أن يكرمكم الذي لا قادر على الإكرام في الحقيقة غيره بأنواع الكرامات كما رحمتم إخوانكم بإكرامكم عن إفساد ذات البين.
وعن الزهري عن سالم عن أبيه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنّ المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يشتمه فمن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرّج عن مسلم كربة فرّج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة».
تنبيه: في هاتين الآيتين دليل على أنّ البغي لا يزيل اسم الإيمان لأنّ الله تعالى سماهم أخوة مؤمنين مع كونهم باغين يدل عليه ما روى عن عليّ بن أبي طالب سئل وهو القدوة في قتال أهل البغي عن أهل الجمل وصفين أمشركون. فقال: لا من الشرك فرّوا فقيل: أمنافقون هم فقال: لا إنّ المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلًا. قيل: فما حالهم قال: إخواننا بغوا علينا.
والباغي في الشرع هو الخارج عن الإمام العدل بتأويل محتمل وشوكة لهم ومطاع تحصل به قوّة الشوكة، وإن لم يكن لهم إمام والحكم فيهم أن يبعث إليهم الإمام أمينًا فطنًا ناصحًا ينصحهم ما ينقمون فإن ذكروا مظلمة أو شبهة أزالها وإن أصروا نصحهم ثم أعلمهم بالقتال، فإن استمهلوا اجتهد وفعل ما رآه صوابًا.
والحكم في قتالهم أن لا يتبع مدبرهم ولا يقتل أسيرهم ويرد سلاحهم وخيلهم إليهم إذا انقضت الحرب وأمنت عائلتهم ولا يستعمل في قتال إلا لضرورة ولا يقاتلون بعظيم كنار ومنجنيق إلا لضرورة، ولو أقاموا حدّ أو أخذوا زكاة وجزية وخراجًا وفرّقوا أسهم المرتزقة على جندهم صح ما فعلوه، وما أتلفه باغ على عادل وعكسه إن كان بسبب قتال فلا ضمان على واحد منهما، وإلا فعلى المتلف الضمان. قال ابن سهل: كانت في تلك الفتنة دماء يغرق في بعضها القاتل والمقتول وأتلف فيها أموال ثم صار الناس إلى أن سكنت الحرب بينهم وجرى الحكم عليهم فما رأيته اقتص من أحد ولا أغرم مالًا أتلفه ولو أظهر قوم رأي الخوارج كترك الجماعات وتكفير ذي كبيرة ولم يقاتلوا فلا نتعرّض لهم.
روي أنّ عليًا سمع رجلًا يقول في ناحية المسجد. لا حكم إلا لله تعالى. فقال عليّ رضي الله عنه: كلمة حق أريد بها باطل لكم علينا ثلاثة لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسم الله ولا نمنعكم الفيء ما دام أيديكم مع أيدينا ولا نبدئكم بقتال فإن قاتلوا فحكمهم حكم قطاع الطريق، وتفريعات أحكام البغاة مذكورة في الفقه. وفي هذا القدر كفاية.
واختلف في سبب نزول قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا} أي: أوقعوا الإقرار بالتصديق {لا يسخر} أي: لا يهزأ والسخرية: هي أن لا ينظر الإنسان إلى أخيه بعين الإجلال ولا يلتفت إليه ويسقطه عن درجته {قوم} أي: ناس فيهم قوة المحاولة وهم الرجال وفي التعبير بذلك تنبيه على قيام الإنسان على نفسه وكفها عما تريده من النقائص منكرًا لما أعطاه الله تعالى من القوّة {من قوم} أي: من رجال، فإنّ ذلك يوجب الشرّ لأنّ أضعف الناس إذا استهزئ به قوي لما يثور عنده من حظ النفس.
فقال ابن عباس: نزلت في ثابت بن قيس كان في أذنه وقر أي ثقل فكان إذا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سبقوه بالمجلس أوسعوا له حتى يجلس إلى جنبه فيسمع ما يقول فأقبل ذات يوم وقد فاتته ركعة من صلاة الفجر فلما انصرف النبيّ صلى الله عليه وسلم من الصلاة أخذ أصحابه مجالسهم فضنّ أي بخل كل رجل منهم بمجلسه فلا يكاد يوسع أحد لأحد فكان الرجل إذا جاء فلم يجد مجلسًا قام قائمًا فلما فرغ ثابت من صلاته أقبل نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخطى رقاب الناس ويقول تفسحوا تفسحوا فجعلوا يتفسحون حتى انتهى لرسول الله صلى الله عليه وسلم وبينه وبينه رجل فقال له: تفسح فقال الرجل: قد أصبت مجلسًا فاجلس. فجلس ثابت خلفه مغضبًا فلما انجلت الظلمة غمز ثابت الرجل فقال: من هذا. فقال له: أنا فلان فقال له ثابت: ابن فلانة ذكر أمًّا له كان يعير بها في الجاهلية فنكس الرجل رأسه فاستحيا فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال الضحاك نزلت في وفد تميم كانوا يستهزئون بفقراء أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم مثل عمار وخبيب وبلال وصهيب وسلمان وسالم مولى أبي حذيفة لما رأوا من رثاثة حالهم. ومعنى الآية: لا تحقروا إخوانكم ولا تستصغروهم ثم علل النهي بقوله تعالى: {عسى} أي: لأنه جدير وخليق لهم {أن يكونوا} أي: المستهزأ بهم {خيرًا منهم} فينقلب الأمر عليهم وتكون لهم سوء العاقبة. قال ابن مسعود: البلاء موكل بالقول لو سخرت من كلب خشيت أن أحوّل كلبًا وقال القشيري: ما استصغر أحد أحدًا إلا سلط عليه ولا ينبغي أن يغتر بظاهر أحوال الناس، فإنّ في الزوايا خبايا. والحق سبحانه يستر أولياءه في حجاب الظنة وكذا في الخبر كم من أشعث أغبر ذي طمرين لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره.
{ولا} يسخر {نساء من نساء} ثم علل النهي بقوله تعالى: {عسى} أي: ينبغي أن يخفن من {أن يكن} أي: المسخور بهنّ {خيرًا منهنّ} أي الساخرات. روي أنها نزلت في نساء النبيّ صلى الله عليه وسلم عيرن أمّ سلمة بالقصر. وروى عكرمة عن ابن عباس أنها نزلت في صفية بنت حيي بن أخطب قال لها النساء يهودية بنت يهوديين.
تنبيهان: أحدهما: قال الرازي: القوم اسم يقع على جمع من الرجال ولا يقع على النساء ولا على الأطفال لأنه جمع قائم. والقائم بالأمور هم الرجال وعلى هذا ففي أفراد الرجال والنساء.
فائدة: وهي أنّ عدم الالتفات والاستحقار أن يصدر في أكثر الأمر من الرجال بالنسبة إلى الرجال لأنّ المرأة في نفسها ضعيفة، قال صلى الله عليه وسلم: «النساء لحم على وضم» فالمرأة لا يوجد منها استحقار لرجل لأنها مضطرّة إليه في رفع حوائجها، وأمّا الرجال بالنسبة إلى الرجال والنساء بالنسبة إلى النساء فإنه يوجد فيهنّ ذلك.
الثاني: في حكمه قوله تعالى: {عسى أن يكونوا خيرًا منهم} هي أنهم إذا وجدوا منهم التكبر المقتضى إلى إحباط العمل جعل نفسه خيرًا منهم كما فعل إبليس حيث لم يلتفت إلى آدم، وقال: أنا خير منه فصار هو خيرًا منه. ويحتمل أن يكون المراد بقوله تعالى: {يكونوا} أي يصيروا فإنّ من استحقر إنسانًا لفقره أو ضعفه لا يأمن أن يفتقر هو ويستغني الفقير ويقوى الضعيف {ولاتلمزوا} أي تعيبوا على وجه الظهور الخفية {أنفسكم} بأن يعيب بعضكم بعضًا بإشارة أو نحوها فكيف إذا كان على وجه فإنّكم في التواصل والتراحم كنفس واحدة أو يعمل الإنسان ما يعاب به فيكون الإنسان قد لمز نفسه أو يلمز غيره فيكون لمزه له سببًا لأن يبحث عن عيوبه فيلمزه فيكون هو الذي لمز نفسه {ولا تنابزوا بالألقاب} أي: ولا يدع بعضكم بعضًا بلقب السوء فإنّ النبز يختص بلقب السوء.
واختلف في هذا اللقب فقال عكرمة هو قول الرجل للرجل يا فاسق يا منافق يا كافر. وقال الحسن: كان اليهوديّ والنصرانيّ يسلم فيقال له بعد إسلامه يا يهودي يا نصراني فنهوا عن ذلك. وقال عطاء: هو أن يقول الرجل لأخيه يا حمار يا خنزير.
وعن ابن عباس: التنابز بالألقاب: هو أن يكون الرجل عمل السيئات ثم تاب عنها فنهي أن يعير بما سلف من عمله والحاصل أنه يحرم تلقيب الشخص بما يكره وإن كان فيه كالأعور والأعمش ويجوز ذكره بنية التعريف لمن لا يعرفه إلا به وأمّا ألقاب المدح فنعما هي فقد لقب الصديق بعتيق، وعمر بالفاروق، وحمزة بأسد الله، وخالد بن الوليد بسيف الله، ومازالت الألقاب الحسنة في الجاهلية والإسلام.
قال الزمخشري: إلا ما أحدثه الناس في زماننا من التوسع حتى لقبوا السفلة بالألقاب العلية وهب أنّ العذر مبسوط فما أقول لمن ليس من الدين في قبيل ولا دبير بفلان الدين لعمري والله إنها الغصة التي لا تساغ. ومعنى اللقب: اسم زائد على الاسم يشعر بضعة المسمى أو رفعته والمقصود به الشهرة فما كان مكروهًا نهى عنه، ويسنّ أن يكنى أهل الفضل الرجال والنساء وإن لم يكن لهم ولد وأمّا التكني بأبي القاسم فهو حرام.
وقيل: إنما يحرم في زمانه صلى الله عليه وسلم فقط وقيل: إنما يحرم على من اسمه محمد ولا يكنى كافر ولا فاسق ولا مبتدع لأنّ الكنية للتكرمة وليسوا من أهلها بل أمرنا بالإغلاظ عليهم إلا لخوف فتنة من ذكره باسمه أو تعريفه كما قيل به في قوله تعالى: {تبت يد أبي لهب}.
واسمه عبد العزى ولا بأس بكنية الصغير. ويسنّ أن يكنى من له أولاد بأكبر أولاده ويسنّ لولد الشخص وتلميذه وغلامه أن لا يسميه باسمه والأدب أن لا يكني الشخص نفسه في كتاب أو غيره إلا إن كان لا يعرف بغيرها أو كانت أشهر من الاسم.
تنبيه: ذكر في الآية ثلاثة أمور مرتبة بعضها دون بعض كما علم من تقريرها {بئس الاسم} أي المذكور من السخرية واللمز والتنابز. وقوله تعالى: {الفسوق} أي: الخروج من ربقة الدين {بعد الإيمان} بدل من الاسم لإفادة أنه فسق لتكرّره عادة. وروي أنّ الآية نزلت في صفية بنت حيي أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إنّ النساء يقلن لي يا يهودية بنت يهوديين فقال: هلا قلت إن أبي هارون وعمي موسى وزوجي محمد صلى الله عليه وسلم {ومن لم يتب} أي: يرجع عما نهى الله عنه فخفف على نفسه ما كان شدّد عليها {فأولئك} أي: البعداء من الله تعالى {هم الظالمون} أي الغريقون في وضع الأشياء في غير مواضعها. وأدغم أبو عمرو والكسائي الباء في الفاء. واختلف عن خلاد والباقون بالإظهار.